عندماكنا صغاراً كانت كلمة "اللهم إني صائم" الأكثر شيوعاً وتردداً علي
ألستنا في شهر رمضان. فكان لها وقع السحر في تهدئة النفوس وتنقية ما في الصدور.
وإطفاء أي شرارة يحدثها إبليس اللعين قبل اندلاعها. وكنا أكثر تقرباً لله وتقارباً
مع بعض كبشر. وكنا أكثر حرصاً علي فعل الخير والتسابق عليه. وتجنب الوقوع في أي
مشاكل مع الجيران. بل كان فرصة للتسامح والعفو. وكنا نستغرب إذا ما وقعت مشاجرة
جيرانية أو أسرية. ونقول حتي في رمضان.. ونستغفر أو نطلب من المتعاركين الاستغفار
حتي لا يذهب صيامه هدراً.
* ولكن عندما كبرنا ومع التغيرات الاجتماعية المصاحبة للحداثة ومتطلبات العصر
اختفي الكثير من القيم والمثل والفضائل حتي كلمة "اللهم إني صائم" لم
نعد نسمعها إلا نادراً. وبات كل شيء يحدث جهاراً بياناً للعين دون استحياء وكأننا
لسنا في رمضان والمفترض فيه الصيام علي كل شيء كي نحصد المزيد من الحسنات.. ولكن
للأسف من خلال الرصد للأحداث الجارية حولنا من خلال وسائل الإعلام نجد أن معدل
الجريمة في رمضان لا يختلف عن نظيره في الأشهر الأخري مع أنه غرة أشهر الله وأحبها
في قلوب المسلمين وفيه يشد المئزر بل تزداد فيه الجرائم بكافة أشكال أنواعها من
قتل ونصب واغتيال ورشوة وغيرها.
* والغريب أنه في رمضان تكثر وسائل الازعاج وكل ما تنفر منه النفس مثل البمب
والصواريخ أو الألعاب النارية التي يزعجني بها الأطفال قبيل مدفع الإفطار وحتي
الإمساك. وأستغرب من كثرة هذه الألعاب في أيدي الأطفال وكأنها توزع عليهم بالمجان.
رغم أننا نقرأ يوميا عن ضبط ومصادرة ملايين من ألعاب الأطفال بالمنافذ الجمركية
وداخل المحلات. وإن كنت واللهم إني صائم أتساءل عن كيفية وصول هذه الملايين
للأطفال وهل المضبوطات يتم إعدامها أم ماذا؟ وكذلك آلات التنبيه الصادرة من
السيارات "عمال علي بطال" وكأننا في موكب زفاف دون اعتبار للصائمين.
ناهيك عن الكم الهائل من السيارات المتوقفة علي جانب الطرق والتي تعرقل حركة المرور
لتهالكها وانتهاء عمرها الافتراضي. مع أن هناك تصريحات تؤكد خروج 5 آلاف سيارة من
الخدمة سنوياً. ووجود 350 ألف سيارة تزيد أعمارها علي 40 عاماً. وهذا يعني أن
المسألة تحتاج إلي 8 سنوات لسحب كل هذه الأعداد المتهالكة من الشارع وإحالتها
للتقاعد. مع وضعنا في الاعتبار إمكانية زيادة الأعداد مع مرور هذه السنوات. ناهيك
عن الأجرة التي عفا عليها الزمان. وإن كنت أتساءل لماذا لا يتم تحديد عمر المركبة
وإلزام الملاك بذلك أم هناك مصالح؟ رغم أن هذه النوعية من السيارات تسيء لنا
جميعاً. وأغلب دول العالم تقوم بتطبيق هذا القرار. ثم لماذا لا يطبق حتي الآن
قانون المرور علي عداد التاكسي حيث إن أغلبها يسير بدون عداد حتي مع السيارات
الجديدة التي حلت محل القديمة. ولكن يبدو أن الجشع أعمي القلوب. والسائق لا يريد
سوي ما يدخل جيبه سواء بالحرام أو الحلال. ولا أدري "والله إني صائم"
لماذا يتغاضي رجل المرور عن هذه التجاوزات؟
* والأصعب من ذلك زيادة الزراعة للمحاصيل بمياه الصرف الصحي ومع انها ضارة جداً
بصحة المستهلك إلا أن البعض مستمر في هذه الممارسة الخاطئة "عيني عينك"
رغم تنبيه الصحف لذلك وتحديد المزارع وأماكنها ومساحاتها ولكن يبدو "والله
إني صائم" أن هناك مصلحة في ذلك وإلا لماذا هذا السكوت عن خطر يداهمنا.
والأمر وصل إلي حد أن البعض يشير إلي أن من بين أصحاب هذه المزارع رجالاً من علية
القوم ومسئولين كباراً. لذلك كان التعامل مع هذا الخطر فاتراً. وإن كانت الحكومة
بدأت في إزالة زراعات مياه المجاري وتكثيف المرور علي الزراعات المخالفة للتأكد من
استخدام أصحابها للمياه المناسبة أو المعالجة مع عمل حملات توعوية للمزارعين
بخطورة المياه الملوثة علي المحاصيل وبالتالي علي متناوليها خاصة وأن هناك مفاهيم
خاطئة وهي أن المحاصيل لا تتأثر بالوسط الذي تنمو فيه. ناهيك عن استخدام الهرمونات
لسرعة انضاج المحاصيل قبل أوانها. وكذلك الإفراط في المبيدات التي تضر بالثمار وكل
هذا بالتالي يضر بصحة المستهلك.
* المهم أن هناك الكثير من المخالفات مازالت ترتكب في شهر رمضان دون عمل أدني حساب
لهذا الشهر الكريم الذي يجب علينا فيه الإكثار من العبادات كي يرضي الله عنا ويرفع
عنا البلاء والذي ما أكثره في هذا الزمان الذي نسينا فيه الله فأنسانا أنفسنا وشدد
علينا كي نتعظ ونفيق من غفوتنا. فرمضان فرصة لتهذيب النفوس والتصالح مع الله ومع
الآخرين. وفرصة للمراجعة السنوية والتأمل كي يقدم المسلم كشف حساب لنفسه ويفتح
صفحة جديدة. كما أنه شهر الدعاء وشهر يخبر فيه النبي بأنه إذا أراد العبد أن
يستجاب الدعوة فلابد أن يكون مطعمه حلالاً وذلك لقوله - صلي الله عليه وسلم - :
"أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة". لذا فهو فرصة لأن نتطهر وأن نكون
مستجابي الدعوة.
* مطلوب منا التحلي بقيم وأخلاقيات الشهر الفضيل. وننتهز الفرصة لأن نصلح من
أحوالنا ونتخلي عن الممارسات الضارة والخاطئة. خاصة وأننا دولة مسلمة بها الأزهر
الشريف الذي تحسدنا عليه الكثير من البلدان الأخري. كما أنه فرصة للتقليل من
الاستهلاك الغذائي حيث أكدت دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن
المصريين يستهلكون أغذية بما يعادل مليار جنيه يومياً بما يؤكد تصاعد حمي
الاستهلاك لدينا. كما أن هذا يكلف ميزانية البيت وبالتالي الدولة مبالغ طائلة خاصة
وأن الدراسة نفسها قالت إن نصف ما نشتريه مآله مقالب القمامة. وهذا صراحة سفه
وتبزير سيحاسبنا الله عليه. ودليل علي انحدار ثقافة الغذاء. في الوقت الذي تعاني
فيه الدولة من آثار الأذمة المالية التي أتت علي أغلب اقتصاديات العالم وجعلتها في
الحضيض. وأيضا في الوقت الذي نحن فيه مقبلون علي العيد والمدارس أي نحن في حاجة
إلي مزيد من الترشيد من الاستهلاك لتوفير المبالغ اللازمة لمثل هذه المناسبات.
بدلا من الفشخرة الكدابة.
* علينا بالالتزام وبالتخلي عن السلوكيات الخاطئة والابتعاد عما يغضب الله الذي
أهدانا هذا الشهر الكريم كي يعطينا الفرصة للتأمل ومحاسبة النفس وأن نصوم عما كنا
نفعله في الأشهر العادية. فالله لا يريد لنا سوي الخير. فالخير من عند الله والشر
من أنفسنا.
السبت سبتمبر 05, 2009 5:59 am
